العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. انقلاب السيارة والحظ السيء

يمنات

أحمد سيف حاشد

مهمة لا بد من إنجازها على نحو لا يقبل الطعن فيها .. مهمة يجب أن تكون جديرا بها، و هي لا تحتمل التراخي أو التأجيل .. عليك أن تكون في جهوزية من أمرك إن أردت الترشح باعتبارك مرشح مستقل، و خوض غمار المنافسة الانتخابية البرلمانية .. يجب أن تتوخى الحذر؛ فالشك حارس أمين، طالما أنت تخوض معركة من هذا النوع، و بصفة مرشح مستقل، في ظروف ربما تجعلك الأسوأ حظا، و في واقع تنعدم فيه المساواة بتكافؤ الفرص عند بدء السباق .. عليك لتنجح أن تحتاط كثيرا .. عليك أن تضع في حسبانك و اعتبارك أسوء الاحتمالات لتضمن هذا النجاح..

يشترط القانون أن يجمع المرشح المستقل ما لا يقل عن ثلاثمائة توقيع، تزكية من الناخبين في أغلب مراكز الدائرة الانتخابية التي ستخوض المعركة فيها .. رمتُ إلى الحصول على أكثر من ضعف هذا الرقم، تحوطا لأي احتمال، كفخ أو تشكيك أو تزوير أو تراجع أو نحو ذلك مما يمكن أن يُطبخ، أو يفبرك ضدي، بقصد الاطاحة بي قبل الاقتراع، أو اختلاق ذريعة، للحيلولة دون وصولي بالمنافسة إلى هذا اليوم، بل و ربما حتى الطعن في شرعيتي بعد اعلان فوزي .. فعندما لا تستحِ السلطة عليك أن تتوقع كل شيء..

السياسة في بلادنا قذرة و موحلة، و طريقها مرصوف بالمكيدة و الجريمة و الفساد، و أخلاقها ليس غارقا في الرداءة، بل هي بلا أخلاق و لا عفة و لا ذوق .. وجل ساستنا و رجال أمنهم مخادعون، و ماكرون، لا تأمن لهم جانب، و لا تغمض نحوهم عين .. ليس لديهم في العفاف مبدأ أو ضمير .. يجب أن تلازمك اليقظة على الدوام .. احذر أن تغفل حتى للحظة، وضع في بالك أسوأ الاحتمالات حتى لا تدركك المكيدة، و يلحق بك الندم بعد فوات الأوان.

و في إطار مهمة جمع توقيعات التزكية، كلفت أخي عبد الكريم سيف، و أصدقائي محمد فريد، و ردمان النماري، للذهاب إلى مراكز و مناطق “الأعبوس” لجمع ما استطاعوا من توقيعات التزكية..

كانت لدى أخي عبد الكريم سيارة شاص موديل 1984م، متواضعة، و احتمالات عطبها و اعطالها وارد في أي لحظة .. حالها لا يسر، و لكن كلفة استئجار بديلا عنها عبء مُكلف و اضافي، و نحن لازلنا في أول الطريق، و لا زال مشوار الانتخابات طويل، و الحاجة ماسة و ملجئة لمال كثير..

شدّينا الحيل، و تمت المغامرة لإنجاز المهمة، أو حتى بعضها .. صالت و جالت السيارة هنا و هناك لجمع توقيعات التزكية، و في حدود الساعة السابعة و النصف مساء، و بعد تجاوز جامع “قرية العقام” في منطقة “بني علي” أعبوس، أستوقف محمد فريد السيارة، بغرض الاتصال، بعد أن صادف وجود تغطية “سبستل” MTN في ذلك المكان.

و عند محاولة اعادة تشغيل السيارة، لم يقلع المحرك بسبب البطارية، و في غياب المساعدة، اضطر محمد فريد، و ردمان النماري الى دفع السيارة من الخلف، و لكن قواهما خارت قبل أن يقلع محركها .. ذهب محمد فريد و كان يتمتع بالجرأة و الحنكة، لإحضار إمام الجامع، و شاب برفقته للمساعدة على دفع السيارة ليتمكنوا من اعادة تشغيل المحرك، فيما اضطر أخي السائق للنزول إلى جانب الباب لمساعدتهم و الدفع معهم على أمل العودة الى كرسي السائق، حالما تبدأ عجلاتها في الدوران و يشتغل المُحرّك، و لم يلاحظ ان اتجاه العجلات الامامية كانت متجها الى المنحدر..

تفاجأ الجميع أن السيارة هرولة نحو المنحدر، و كان الوقت قد فات للحيلولة دون منعها من الهرولة لمحذور المنحدر، هوت في حدود العشرين مترا لتستقر على مقدمتها في بقعة أرض  و مؤخرتها إلى الاعلى، و كأنها تتوسل و تتضرع إلى السماء بالمقلوب، بعد أن صار رأسها و فاها في الطين..

أعتقد الجميع أن أخي السائق على الكرسي قابضا على مقود السيارة أثناء السقوط، و لكنهم تفاجئوا إنه بينهم؛ و بدهشة سألوه كيف صار بينهم..!! فأجابهم أنه كان يدفع السيارة معهم، فأثار نوبة ضحك، فيما كان ردمان النماري و هو الحريص المؤتمن على الكشوفات يصيح: “الكشوفات .. الكشوفات.. الكشوفات في السيارة” يقصد كشوفات توقيعات التزكية، و هي الحصاد الأول .. كانت السيارة في وضع قلق مهددا بقلبة أخرى لأي محاولة تدخّل، و كان الاخ محمد فريد يصرخ في وجه “النماري”: “نحن في ايش وانت في ايش..؟!”.

صار ما من حيلة و لا طريق لإخراج السيارة، و كانت المسافة التي هوت فيها السيارة غير قليلة، فضلا أنها معرضة للانزلاق و الانقلاب مرة أخرى..

ذهب عبد الكريم و محمد فريد نحو القرية القريبة بحثا عن سيارة تقلهم الى طور الباحة لإحضار “شيول”، و هناك وجدا صاحب سيارة اسمة عبد السلام. هنا بإمكانك أن تستحضر أو تتذكر مقولة شمس التبريزي: “قد يأْتيك الحظُّ على هيئة شخص”. اخبرهم عبد السلام بصعوبة احضار “الشيول” من طور الباحة لوعورة الطريق، و تحرك بسيارته الى موقع الحادث، و كان متعاونا جدا، و معه حضر جمع من شباب القرية، و توافد عدد لا باس به من الناس، و كبر الجمع، و كان ما حدث أشبه بالنكتة المدوية، و إن أخذت مشهد كرنفالي ساخر بامتياز.

كان الناس يتساءلون: اين كان السائق..؟!!! فيكون الجواب: كان يدفع السيارة. فيغرقون بالاستغراب و الضحك و القهقهة، و يتساءل البعض: كيف تأمنون على أنفسكم مع هذا السائق..؟!! و يكون الجواب هو قهقهة الجميع..

كان الوفي ردمان النماري قد استغل غياب محمد فريد و عبد الكريم، و لا نعرف كيف استطاع اخراج كشوفات التزكية من داخل السيارة المهددة بالانقلاب مرة ثانية، ليتفاجأ الجميع إن الكشوفات بقدرة قادر قد صارت بحوزته .. إنه رجل لا يعرف اليأس، و لا يكف عن المحاولة مدفوعا بإخلاص كبير،  و إصرار على أن “ينجح أو ينجح”.

ربطوا مؤخرة السيارة الى جذع احدى الاشجار، حتى يتمكنوا من الحفر لإخراج مقدمة السيارة المغروز رأسها في الطين .. اضطروا إلى هدم احد الجدران، و استمر العمل الى وقت متأخر من ليل اليوم الثاني، ثم المبيت ضيوفا منكوبين لدى احد الاهالي هناك.

تبادر السؤال إلى ذهني: هل ما حدث هو نذير شؤم..؟! كان أبي إذا خرج ليلا و دعس شوكة يعود على أعقابه، و يكف عن المضي إلى مراده .. ألا يمكن اعتبار ما حدث نذير شؤم يساوي ألف شوكة، غير أن رجلا قويا صرخ داخلي صرخة الرجل القائل: “القلب الجريء يحطم الحظ السيء” .. ما حدث مشهد لن يسلمني لخرافة، و توجسا مسنودا بهشاشة .. ما بذلته من جهد بات إصرارا و عزيمة تملئني .. يستصرخني:”وامعتصماه”، تذكرت قصيدة أبو تمام في فتح عمورية و فيها:

“أينَ الرِوايَةُ بَل أَيـنَ النُجـومُ وَمـا صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَـذِبِ”

و كانت الخلاصة لابد من فتح عموريتي..

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى